رسالتان في الاغتيال المزدوج.. بشار جرار يكتب من واشنطن عن مقتل سليماني والمهندس

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة موقع أمريكا اليوم..

"تلك ضربة استباقية لا ثأرية". هذه خلاصة ما أراه أبلغ وأدق رد فعل صدر حتى الآن على مقتل رجل إيران الأقوى قاسم سليماني ورجلها الأقوى في العراق أبو مهدي المهندس نائب الحشد الشعبي. تلك الخلاصة أفاد بها - قبل قليل من إعداد هذا المقال- ما يوصف بأنه رجل ترامب في الكونغرس، لندسي غراهام رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي.  يقول غراهام إن ترامب اتخذ قرارا بهذا الحجم إيقافا لما كان يعد له من اعتداء كبير على حياة الأمريكيين. ذلك خط أحمر رسمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي إبان أزمة سقوط طائرة مسيرة أمريكية زعمت إيران أنها ردا على اختراقها المجال الجوي لبلادها.

لم يحاسب سليماني على دماء نحو 600 أمريكي قتلوا بشكل مباشر أو غير مباشر بقرار إيراني عبر العقود الماضية، ولكن بحسب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو جاء قرار ترامب بهذه "الضربة الاستباقية دفاعا عن النفس" بعد تحقق واشنطن مما كان يعد له سليماني ميدانيا من "مخطط إرهابي كبير".

منذ الدقائق لا الساعات الأولى لتنفيذ الضربة التي لم يقدم عليها سلفا ترامب، الديمقراطي أوباما والجمهوري بوش الابن، تراوحت ردود الفعل على جانبي الموقف من الحدث. ما يجمعهما هو السؤال الأكبر: هل سيفتح الاغتيال المزدوج جبهات جديدة ويشعل المفتوح منها بين أمريكا وإيران؟ هل تحولت صولات التحرش والمواجهات العسكرية المتفرقة عبر الوكلاء إلى حرب استنزاف مباشرة بين الشركاء في هذه المواجهة؟


لعل أقرب صورة ألمحها فيما جرى حتى ينقشع الدخان الأسود الذي جلل الساحة الخلفية لطريق مطار بغداد هي صورة رجال الإطفاء عندما يستبدلون الماء والطفايات التقليدية بضربة ينفذها العسكريون المختصون لقمع مصدر النيران، حتى تأكل الناس نفسها دون أوكسجين يمدها بالحياة.

لقد تلقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله العظمى علي خامنئي، مع حفظ الألقاب الدينية واحترامها لدى الأديان كافة، تلقى صفعتين قوتين من ترامب: واحدة على دعمه للقائد الميداني لمشروع إيران في الشرق الأوسط (سليماني) والأخرى لرعايته ذراع إيران اليمنى في العراق (المهندس).

قد تختلف ردود الأفعال الإيرانية و"محور المقاومة" على هذا الاغتيال المزدوج، عما سبقها ردا على اغتيال رموز "إرهابية- ثورية" كعماد مغنية وسمير قنطار، لكنها في المحصلة لن تخرج عن "اللطميات والثأريات" البلاغية التي ستقف عند جدار الحقيقة الصادمة .

هل يريد مرشد إيران انتحار بلاده وموت مشروع الخميني في "تصدير الثورة" أم أن العقلاء من داخل هيئة "تشخيص مصلحة النظام" سيدعون إلى التقاط الأنفاس ومراجعة قراءة المشهد برمته وفقا لقواعد الاشتباك الجديدة التي رسمها ترامب بحزمه وحسمه؟.

إن ما حدث فيما يتعلق باستهداف سليماني وقيادات الحشد الشعبي، يشير إلى جدية ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بأن "ترتيبات" أمريكية قد تم اتخاذها لضمان وقف المخطط الإرهابي الإيراني بما يحول دون أي رد فعل "انتقامي" من الجانب الإيراني المباشر أو غير المباشر.

إنه مفترق طرق كبير أمام طهران "راعية الإرهاب الأولى في العالم" بحسب واشنطن. مفترق طرق ليس أمام خامنئي وحده وإنما أمام الدول والتنظيمات التي تتحالف معه أو تنحاز إليه في معركة المواجهة مع أمريكا. نحن أمام مشهد جديد وشرق أوسط جديد، فلكل زلزال هزاته الارتدادية التي ستكون أقواها في سورية ولبنان وإسرائيل.

كتابة تعليق

أحدث أقدم